الفرق بين عمل أهل المدينة وإجماع أهل المدينة:
الفرق بين عمل أهل المدينة وإجماع أهل المدينة: يقول القاضي عياض في ترتيب المدارك: "فاعلموا أنّ إجماع أهل المدينة على ضربين؛ ضرب من طريق النقل والحكاية الذي تأثره الكافة على الكافة، وعملت به عملا لا يخفى، ونقله الجمهور عن الجمهور عن زمن النبي صلى الله عليه وسلم...، وهذا النوع من إجماعهم في هذه الوجوه حجة يلزم المصير إليه، ويترك ما خالفه من خبر واحد أو قياس...، والنوع الثاني:إجماعهم على عمل من طريق الاجتهاد والاستدلال: فهذا النوع اختلف فيه أصحابنا؛ فذهب معظمهم إلى أنه ليس بحجة، ولا فيه ترجيح، وهو قول كبار البغداديين منهم ابن بُكير، وأبو يعقوب الرازي، وأبو الحسن ابن المنتاب، وأبو العباس الطيالسي...؛ قالوا لأنهم بعض الأمة والحجة إنما هي بمجموعها، وهو قول المخالفين أجمع...، وذهب بعضهم إلى أنه ليس بحجة، ولكن يرجّح به على اجتهاد غيرهم وبه قال بعض الشافعية، ولم يرتضه القاضي أبو بكر ولا محققو أئمتنا وغيرهم. وذهب بعض المالكية إلى أنّ هذا النوع حجة كالنوع الأوّل، وحكوه عن مالك؛ قال القاضي ابن نصر: وعليه يدلّ كلام أحمد بن المعذّل، وأبي مصعب، وإليه ذهب القاضي أبو الحسن بن أبي عمر من البغداديين، وجماعة من المغاربة من أصحابنا، ورأوه مقدّما على خبر الواحد والقياس، وأطبق المخالفون أنه مذهب مالك، ولا يصحّ عنه كذا مطلقا"اهـ. ترتيب المدارك، 1/47-48-50-51.
انطلاقا من هذا النقل يتبيّن أن "عمل أهل المدينة" منه ما طريقه النقل وهذا هو الذي يُعبَّر عنه بــــــ: عمل أهل المدينة وهو من قبيل السنّة عند مالك، ومنه ما طريقه الاجتهاد وهذا هو الذي يُعبَّر عنه بإجماع أهل المدينة في الغالب، وإن كان بعض المالكية يُطلق عبارة "إجماع أهل المدينة" ويريد به عملهم الذي مستنده النقل والسماع، وبهذا يكون "إجماع أهل المدينة" مندرج في "عمل أهل المدينة" وقِسم من أقسامه كما بيّن ذلك القاضي عياض، وهو اجتهادهم في زمن الصحابة والتابعين وهذا الذي اختلف في الاحتجاج به بين المالكية، أما اجتهادهم بعد زمن الصحابة والتابعين فلا خلاف في أنه ليس بحجة.