كتب فقه الحديث بالغرب الإسلامي -غرض التأليف ومميّزات المؤلَّف-

 

بسم الله الرحمن الرحيم

كتب فقه الحديث بالغرب الإسلامي
-غرض التأليف ومميّزات المؤلَّف-

 

     الحمد لله ربّ العالمين، المتكفّل بحفظ الدّين، والمقيّض له رجالا من العالمين، خدموا سنّة نبيّه خاتم المرسلين، وأفنوا عمرهم في شرحها وبيان ما فيها في دواوين، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

    لقد عَنيَ المسلمون بسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وولعوا بها ورعوها حقّ الرعاية؛ فحفظوها في الصدور ودوّنوها في السطور، وتركوا الأهل والديار من أجل طلب الحديث، فكان لهم فضل كبير في خدمة السنة ومعرفة الرجال والبحث عن العلل، وشرح الألفاظ واستنباط الأحكام والحكم.

    وقد خصّ الله تعالى الغرب الإسلامي بعلماء أفذاذ، خلّفوا ثروة هائلة ومتنوعة في فقه الحديث ودرايته، فاختلفت مناهجهم حتى لا يكاد يخلو شرح من مزيّة وخصيصة وفائدة وذلك حسب جهد الشارح وتوفيقه.

    فمنهم من يتحدّث عن الرواية والسند والرجال جرحا وتعديلا، ومتن الحديث قوّة وضعفا، فيكون اهتمامه بالجانب الحديثي، ومنحاه في الكتاب أثري. ومنهم من يتحدّث عن القضايا الفقهية الواردة في الكتاب، وربما تطرّق إلى أقوال الفقهاء واستنباطاتهم داخل المذهب وخارجه، فيكون شرحه موسوعة فقهية بالدرجة الأولى.

    وبعضهم يتكلّم في لغة الكتاب المشكلة وألفاظه الغريبة، أو إعراب تراكيبه ومفرداته المبهمة، فيتحدّث عن المسائل النحوية مستشهدا في ذلك بالأشعار العربية والأمثال اللغوية. ومنهم من يتحدّث عن مشكل معانيه وما اشتمل عليها من دقائق العلم ومسائل الاعتقاد، وبعض الشرّاح يجمع بين كلّ ما ذكر، فيأتي شرحه موسّعا شاملا لجوانب مختلفة من العلوم الشرعية.

    ومما هو معلوم لابدّ وأنّ لكل مؤلِّف هدف وغرض حمله على الكتابة والتأليف، إما لحاجة عصره، أو لتلبية طلب سائله، أو تسهيلا على طلبته، أو تتميما لما بدأه سابقوه، أو تكميلا لما قصّر فيه من ألَّفوا قبله وغير ذلك من الأغراض، كما أن من المعلوم أنه لا يخلوا كتاب من سمات يمتاز بها عن غيره وينفرد بها عما سواه، ومنه فإني سأذكر ما أُلّف في فقه الحديث إلى حدود القرن السابع الهجري مما وصل إلينا محقق ومطبوع، مبيّنة الغرض من تأليفها وما تميّزت به عن غيرها.

1.    تفسير غريب الموطأ لعبد الملك بن حبيب السلمي الأندلسي (ت:238ه):

   الهدف من التأليف:

    وصل الكتاب إلينا بدون مقدمة، فقد وقع فيه سقط في أوّله، فكانت بداية الكتاب بـــــــــ "وقوت الصلاة"، لكن من خلال قراءة مقدمة المحقق الدكتور عبد الرحمن بن سليمان العثيمن وخاصة كلامه عن منهج ابن حبيب في تأليفه، يمكن تحديد الهدف من التأليف في شرح المشكل والغريب من الألفاظ الواردة في أحاديث الموطأ وكذا معانيه، إذ المشكل عنده يتعدّى اللفظ إلى المعنى وهذا ما جعل الكتاب يشتمل على مسائل فقهية منقولة عن شيوخ المؤلِّف، والله أعلم.

   مميّزات الكتاب:

    تميّز كتاب "تفسير غريب الموطأ" لعبد الملك بن حبيب بعدّة مميّزات يمكن إجمالها في النقاط التالية:

·       الكتاب يكشف عن اهتمام علماء الأندلس بفنّ (غريب الحديث).

·       الكتاب جاء مضمّنا لفوائد لغوية منقولة عن شيوخ المؤلّف.

·       اشتمل الكتاب على مباحث فقهية نقلها ابن حبيب عن شيوخه وخاصة من تلاميذ الإمام مالك رحمه الله الذين شافهوه ونقلوا عنه، والتي لا يضمّها كتاب وإنما رويت عنه، فحكاها ابن حبيب عنهم.

·       نقل ابن حبيب في كتابه آراء شيوخه المعزوة إليهم مما لا يتضمنه كتاب من كتبهم، فجاء مؤلَّفه حافلا بمنقولات نادرة وآراء مفيدة.[1]

2.    رياض الجنة بتخريج أصول السنّة لأبي عبد الله محمد بن عبد الله المشهور بابن أبي زمنين (ت:399ه):

 الهدف من التأليف:

    كان هدف ابن أبي زمنين من تأليف كتابه "أصول السنّة" جمع الأحاديث التي يتبعها ويحتج بها أهل السنّة والجماعة في المسائل الاعتقادية، كالإيمان بالقدر، وعذاب القبر، والحوض، والميزان، والصراط...وغيرها، وذلك بطلب من أحد له رغبة في اتباع مذهب أهل السنة والجماعة كما صرّح في مقدمة كتابه.

    يقول رحمه الله: "...وبعد: فإنّ بعض أهل الرغبة في اتباع السنّة والجماعة سألني أن أكتب له أحاديث يشرف على مذاهب الأئمة في اتّباع السنّة والجماعة الذي يُقتدى بهم، ويُنتهى إلى رأيهم وما كانوا يعتقدونه ويقولون به في الإيمان بالقدر وعذاب القبر، والحوض، والميزان، والصراط، وخلق الجنة والنار والطاعة والشفاعة، والنّظر إلى الله عزّ وجلّ يوم القيامة فليجاب بما سأل عن تأليف هذا الكتاب"[2].

   مميّزات الكتاب:

   كتاب "رياض الجنة بتخريج أصول السنّة" لابن أبي زمنين، كتب ذو مكانة علمية عظيمة، إذ يعتبر مرجعا هاما في معرفة عقيدة السلف، ومن مميّزات هذا المؤلَّف:

·       اعتماد المؤلِّف رحمه الله على مصادر العقيدة الأصلية –كتاب الله وسنة نبيّه صلى الله عليه وسلم-، واختيار منهج المحدثين في رواية الأحاديث والآثار، حيث يسوقها بالأسانيد المتصلة.

·       شموله لمواضيع العقيدة واستيفاء جوانبها، وهذه الميزة لا توجد في كثير من كتب العقيدة.

·       الاختصار الغير المخلّ، وعدم الاستطراد في الكلام، فكان الكتاب مركّزا على هدفه مفيدا في مجاله.

3.    تفسير الموطأ  لعبد الرحمن بن مروان القُنازعي (ت:413ه):

   هدف التأليف:

    يعدّ كتاب "تفسير الموطأ" لمؤلِّفه عبد الرحمن القُنازعي من بين أهم الشروحات التي أُقيمت على موطأ الإمام مالك رحمه الله، وبيّنت أحكامه الفقهية، والكتاب وصل إلينا مبتور الأوّل، فقد ضاعت أوراقه الأولى من النسخة الخطية فسقطت مقدمته، وبه فلم أستطع الوقوف على غرض تأليفه لهذا الكتاب.

    لكن عنوان الكتاب يعبّر عن قصد تأليفه وعمّا جاء في ثناياه، فالكتاب شرح موطأ مالك بإيراد الأحكام الفقهية المستنبطة من نصوصه الشرعية، وتفسير مفرداته الغريبة وبيان معاني تراكيبه، والاستدلال على أحكامه الفقهية والكلام عن رجال أسانيده، وغير ذلك مما اعتمده القنازعي في تفسير أحاديث الموطأ، فكان هذا هو القصد من التأليف والله أعلم.

   مميّزات الكتاب:

·       الكتاب جاء مشتملا على نصوص فقهية قيّمة نقلها القُنازعي عن كتب مفقودة لم تصل إلينا.

·       اهتمام الكتاب ببيان مذهب الإمام مالك واختلاف أقواله والاستدلال على ذلك.

·       إيراده الأحكام الفقهية المستنبطة من أحاديث الموطأ والاستدلال عليها بالأدلة العقلية والنقلية.

4.    المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح للمهلّب ابن أبي صفرة التميمي الأندلسي (ت:435ه):

 هدف التأليف:

    كان الهدف من تأليف هذا المؤلَّف هو اختصار كتاب الإمام محمد بن إسماعيل البخاري "الجامع الصحيح"، وذلك بحذف المكرر منه إلا ما توقفت الحاجة إلى تكراره، ثم بيان معاني الآثار الواردة فيه بتحرير معانيها وبسط فقهها، تلبية لرغبة الطالبين من الإمام.

    يقول ابن أبي صفرة رحمه الله في مقدمة كتابه: "...رغب إليّ منكم راغبون كثير في اختصار تكراره، وتحرير آثاره، حرصا على قرب أمره، وتأتي حفظه...فأعملت النظر أيدكم الله فيما رغبه الآملون لتحفظه فتقر فيه، والراغبون في التفقه منه مع تهذيبه، فلم يمكنني فيه غير اختصاره بإسقاط تكراره، إلا ما ظنت الحاجة إليه، واشتملت المتون من اللفظ عليه، فأبقيه لفائدة فيه"[3].

   مميزات الكتاب:

·       جاء الكتاب مبنيا على تهذيب روايتين مشهورتين لصحيح البخاري، هما رواية الأصيلي ورواية القابسي.

·       جاء هذا المختصر مبنيا على جمع طرق الحديث في مكان واحد وليس بحذف الأسانيد، فقد حافظ المؤلِّف على أسانيد الأحاديث المختلفة وحذف المكرر منها فقط.

·       برزت عناية ابن أبي صفرة في هذا المختصر بصحيح البخاري بصورة واضحة، فهو الذي قيل فيه: أحيا كتاب البخاري في بلاد الأندلس.

·       هذّب في هذا الكتاب صحيح البخاري بطريقة حسنة بديعة، من غير إخلال بمتونه وأسانيده، ولا تطويل بتكراره، فقرب الاستفادة منه والتعامل معه.

5.    تفسير الموطأ لمروان بن علي البوني (ت:439ه):

 هدف التأليف:

    كتاب "تفسير الموطأ" للإمام البوني رحمه الله جاء محققا بدون مقدمة، فقد وقع سقط في أوله مع بعض الأحاديث من الكتاب الأول منه، وهذا ما حال دون الوقوف على الغرض من تأليفه لهذا السِّفر، إلا أنّ عنوان الكتاب يعبّر عن مضمونه وربما الغرض من تأليفه، فالكتاب تناول موطأ الإمام مالك بالشرح والتفسير على مستوى اللفظ والمعنى.

   مميّزات الكتاب:

·       كتاب "تفسير الموطأ" للإمام البوني من أقدم شروحات الموطأ التي وصلت إلينا، وصاحبه ممن عاش أواخر القرن الرابع الهجري وأدرك كثيرا من مشايخ العلم الكبار وأخذ عنهم، وهذا مما لا شك فيه كان له أثر على مؤلَّفه.

·       الكتاب تضمّن نقولات من كتب مفقودة إلى الآن أو في عداد المخطوط، وهذا ما أكسبه قيمة علمية كبيرة.

6.    شرح صحيح البخاري لعلي بن خلف بن بطال القرطبي(ت:449ه):

  هدف التأليف:

    الكتاب بدون مقدمة، لكن من خلال ما أورده محقق الكتاب الدكتور أبو تميم ياسر بن إبراهيم في كلامه عن منهج المؤلِّف، يمكن أن نقول أن الهدف من تأليف ابن بطال لهذا المؤلَّف، هو شرح أحاديث الإمام البخاري من الجانب الفقهي، وبيان ما اشتمل عليه من مسائل فقهية، ودليل ذلك إعراضه عن ذكر كثير من الأحاديث وشرحها بقوله: "ليس فيه فقه"، أو "لا فقه في هذا الباب"[4]، وهذا يدل على أن الهدف الرئيسي للمؤلِّف هو استخراج الأحكام الفقهية من أحاديث الصحيح.

   مميزات الكتاب:

·       كتاب ابن بطال من أقدم الشروح الفقهية للجامع الصحيح للبخاري رحمه الله، وهو أقدم شرح طُبع ووصل إلينا.

·       اعتنى الكتاب بالآثار الواردة عن الصحابة والتابعين في بيان الأحكام، وكذا بمذاهب السلف في المسائل الخلافية مع التوجيه والترجيح.

·       اهتم ابن بطال في هذا الكتاب بالنقل عن الإمام مالك وما رووه عنه أصحابه، حتى عُدّ من المصادر العالية في توثيق نصوص مالك والرواة عنه.

·       الكتاب جاء حافلا بالفوائد المتنوعة خاصة الفقهية واللغوية.

7.    المحلّى بالآثار لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (ت:456):

  الغرض من التأليف:

    لقد لبّى الإمام ابن حزم الأندلسي رغبة السائلين له بتأليف شرح لمسائل كتاب "المجلّى"، فشرح تلك المسائل بطريقة مختصرة مقتصرا في ذلك على قواعد البراهين كما صرّح بذلك في مقدمة الكتاب، وذلك بُغية التسهيل على الطالب المبتدئ، وعونا له على معرفة الحجاج والاختلاف وتصحيح الدلائل، والوقوف على السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والوقوف على الرواة الثقات والتمييز بينهم وبين غيرهم وغير ذلك مما جاء الكتاب مشتملا عليه.

    وكل هذا جاء في المقدمة في قوله رحمه الله تعالى: "فإنكم رغبتم أن نعمل للمسائل المختصرة التي جمعناها في كتابنا الموسوم بـــــــ(المجلى) شرحا مختصرا أيضا، نقتصر فيه على قواعد البراهين بغير إكثار، ليكون مأخذه سهلا على الطالب والمبتدئ، ودرجا له إلى التبحر في الحجاج ومعرفة الاختلاف وتصحيح الدلائل المؤدية إلى معرفة الحق مما تنازع الناس فيه، والإشراف على أحكام القرآن والوقوف على جمهرة السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمييزها مما لم يصح، والوقوف على الثقات من رواة الأخبار وتمييزهم من غيرهم، والتنبيه على فساد القياس وتناقضه وتناقض القائلين به"[5].

  مميزات الكتاب:

·       يعدّ الكتاب موسوعة للفقه المقارن، إذ المؤلِّف يستعرض آراء فقهاء عصره، وآراء مدارس الفقه الأربعة المشهورين مع المذاهب الأقل شهرة، وقارن بين آراء الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنم جميعا.

·       احتوى الكتاب على موسوعة لأسماء الرجال والأعلام.

·       جاء الكتاب محتويا على مادة حديثية ضخمة، فقد تميّز ابن حزم برواية أحاديث كتابه بأسانيده الخاصة المتصلة الرواية إلى مصدرها بسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بهذا قد استقلّ بروايات لم ترد عند غيره من المحدثين.

·       اشتمل الكتاب على علل الأحاديث والرجال، حتى بات كتابا للعلل يضاهي في قيمته كتب العلل الأخرى.[6]

8.    التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمري الأندلسي (ت:463ه):

  غرض التأليف:

    يقول الإمام بن عبد البر في مقدمة كتابه "التمهيد": "أما بعد: فإني رأيت كل من قصد إلى تخريج ما في موطأ مالك بن أنس رحمه الله، من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، قصد بزعمه إلى المسند، وأضرب عن المنقطع والمرسل، وتأملت ذلك في كل ما انتهى إليّ مما جمع في سائر البلدان، واُلِّف على اختلاف الأزمان، فلم أر جامعيه وقفوا عند ما شرطوه، ولا سلم لهم في ذلك ما أملوه، بل أدخلوا من المنقطع شيئا في باب المتصل، وأتوا بالمرسل مع المسند...وقد أفردت لذلك كتابا موعبا كافيا، والحمد لله"[7].

    ثم يقول رحمه الله: "ولما أجمع أصحابنا على ما ذكرنا في المسند والمرسل، واتفق سائر العلماء على ما وصفنا، رأيت أن أجمع في كتابي هذا كلّ ما تضمنه موطأ مالك بن أنس رحمه الله، في رواية يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي عنه، من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، مسنده، ومقطوعه، ومرسله، وكل ما يمكن إضافته إليه صلوات الله وسلامه عليه"[8].

    فمن خلال كلام ابن عبد البر هذا يتضح أنّه ألّف كتابه "التهيد" بدافع الضرورة والحاجة إليه، فالإمام رحمه الله رأى أن الوسط العلمي في عصره في حاجة إلى كتاب يجمع أحاديث الموطأ المسندة منها والمرسلة والمنقطعة، فكل من سبقوه بالتأليف قصدوا تخريج الأحاديث المسندة في الموطأ وأعرضوا عما سواها من المرسل والمنقطع كما أشار في مقدمة الكتاب.

    كما أن الإمام رحمه الله قصد في تأليفه هذا فضلا عن جمع أحاديث الموطأ –المسندة والمرسلة والمنقطة- إلى وصل ما انقطع منها وما أُرسل وجاء متصلا من غير رواية مالك ومن غير طريقه، وقد كان عمله هذا بحق متكامل جامع لكل ما يتعلّق بالموطأ فقها وحديثا ورجالا.

  مميزات الكتاب:

·      يعدّ كتاب "التمهيد" من أشهر شروح الموطأ، وهو كتاب في الفقه، والحديث، والجرح والتعديل، والتاريخ والسير، ومعرفة الرواة، بالإضافة إلى فوائده في اللغة والأدب، فهو موسوعة علمية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

·      اشتمال الكتاب على مقدمة تعدّ مرجعا أساسيا لقضايا علم الحديث ومصطلحه.

·      تضمّن كتاب "التمهيد" دراسة الأسانيد، والنظر في المتون، وذكر الطرق المختلفة للحديث الواحد، والمقارنة بين الروايات، وبيان الأوهام وكشف العلل، وإبراز معاني الأحاديث واستنباط فقهها.

·      جمع ابن عبد البر في كتابه هذا بين المنهج النقدي الحديثي بكل أصوله وقوانينه، وبين المنهج الفقهي بضوابطه وقواعده.

9.    الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار وشرح ذلك كله بالإيجاز والاختصار، لأبي عمر يوسف بن عبد البر (ت:463ه):

  غرض التأليف:

    وضع الإمام بن عبد البر كتاب "الاستذكار" على غير ما وضع عليه كتاب "التمهيد"، وهذا يدل على أنّه ليس اختصارا للتمهيد كما يدّعي البعض، بل هو شرح آخر وضعه على الموطأ، فبينما رتّب "التمهيد" على شيوخ الإمام مالك، وضمّنه الكثير من تراجم شيوخ مالك ورواة الحديث، إذ به يؤلِّف "الاستذكار" ليذكّر طلبة العلم بمعاني الحديث والآثار، وينصبّ على شرح الحديث دون التعرض للرجال إلا بشكل مختصر جدا كما صرح هو بذلك في مقدمة الكتاب.

    فكان الغرض من تأليفه لهذا السِّفر العظيم؛ تذكير طلبة العلم بمعاني الحديث، وما ورد في بابه من الآثار، وأقوال فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار، تلبية منه لطلب جماعة من أهل العلم، يقول رحمه الله في مقدمة الكتاب: "أما بعد: فإن جماعة من أهل العلم وطلبه والعناية به من إخواننا نفعهم الله وإيانا بما علمنا، سألونا في مواطن كثيرة مشافهة، ومنهم من سألني ذلك من آفاق نائية مكاتبا، أن أصرّف لهم كتاب "التمهيد" على أبواب "الموطأ" ونسقه، وأحذف لهم منه تكرار شواهده وطرقه، وأصل لهم شرح المسند والمرسل اللذين قصدت إلى شرحهما خاصة في "التمهيد" بشرح جميع ما في الموطأ من أقاويل الصحابة والتابعين، وما لمالك فيه من قوله الذي بنى عليه مذهبه، واختاره من أقاويل سلف أهل بلده، الذين هم الحجة عنده على من خالفهم، وأذكر على كل قول رسمه وذكره فيه ما لسائر فقهاء الأمصار من التنازع في معانيه، حتى يتم شرح كتابه "الموطأ" مستوعبا مستقصى بعون الله إن شاء الله، على شرط الإيجاز وطرح ا في الشواهد من التكرار، إذ ذلك كله ممهد مبسوط في كتاب "التمهيد" والحمد لله"[9].

  مميزات الكتاب:

    تميّز كتاب "الاستذكار" باستعراض الإمام بن عبد البر للأقوال والآراء المتنوعة في المسائل المختلف فيها بين الفقهاء، وتمحيصها بالنقد والمناقشة، بغية الوصول إلى الرأي الراجح الذي تجتمع عليه الأمة.        

    فالكتاب استوعب ما يزيد عن ستين ألف حديث، شملت كل أحاديث الأحكام والفقه، فاستعمل الإمام رحمه الله هذه الثروة الحديثية الغزيرة في تقنين الفقه الإسلامي وترجيح ما يراه بالدليل، بتقديم النص والوصول في كل مسألة بعد استعراض أقوال علماء الأقطار وفقهاء الأمصار إلى قول واحد لتجتمع عليه الأمة ويتقلص به الخلاف.

10.   المنتقى شرح موطأ مالك لأبي الوليد الباجي (ت:474ه):

  غرض التأليف:

    صرّح الإمام الباجي بالغرض الذي حمله على تأليف "المنتقى"، وهو تلبية رغبة السائل الذي استصعب كتابه "الاستيفاء" في شرح الموطأ، فألّف كتابا منتقى من كتابه الأول مختصرا عنه بحذف الأسانيد، وعدم استيعاب المسائل والدلالات وما احتج به المخالف، فيكون الكتاب بذلك سهل المأخذ، واضح الفهم، مقتصرا على شرح مسائل الموطأ.

    وهذا ما جاء في مقدمة الكتاب في قوله: "وفقنا الله وإياك لما يرضيه، فإنك ذكرت أن الكتاب الذي ألّفتُ في شرح الموطأ المترجم بكتاب "الاستيفاء" يتعذر على أكثر الناس جمعه، ويبعد عنهم درسه، لاسيما لمن لم يتقدم له في هذا العلم نظر ولا تبين له فيه بعد أثر...ورغبت أن أقتصر فيه على الكلام في معاني ما يتضمنه ذلك الكتاب من الأحاديث والفقه، وأصل ذلك من المسائل بما يتعلق بها في أصل كتاب الموطأ ليكون شرحا له وتنبيها على ما يستخرج من المسائل منه، ويشير إلى الاستدلال على تلك المسائل والمعاني التي يجمعها وينصها ما يخف ويقرب ليكون ذلك حظ من ابتدأ بالنظر في هذه الطريقة من كتاب "الاستيفاء" إن أراد الاقتصار عليه، وعونا له إن طمحت همته إليه، فأجبتك إلى ذلك، وانتقيته من الكتاب المذكور على حسب ما رغبته وشرطته"[10].

  مميزات الكتاب:

·       اعتنى الكتاب بجانبين: الجانب الحديثي والجانب الفقهي.

·       الكتاب شرح متوسط؛ لا هو بالطويل الممل ولا بالقصير المخلّ.

·       جمع الكتاب بين المدرستين المالكيتين؛ العراقية والقيروانية، وذلك من خلال استشهاد الباجي بنصوص وآراء القاضي إسماعيل في مبسوطه، والقاضي عبد الوهاب في التلقين، وابن الجلاب في التفريع، وابن القصار في عيون الأدلة، واعتماده على المدونة والواضحة والعتبية وغيرها من أمهات كتب المالكية.

11.   أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله محمد بن فرج القرطبي المالكي المعروف بابن الطلاع (ت:497ه):

  غرض التأليف:

    كان غرض ابن فرج القرطبي رحمه الله من تأليفه لهذا الكتاب؛ جمع الأحاديث التي لها صلة بقضاء النبي صلى الله عليه وسلم، مع شرحها واستنباط ما فيها من أحكام فقهية، ولعل ذلك كان لحاجة عصره إلى من يبيّن شؤون القضاء وما تعلّق به من أحكام شرعية.

    يقول رحمه الله في مقدمة كتابه مصرّحا عن غرض تأليفه: "هذا الكتاب أذكر فيه إن شاء الله تعالى ما انتهى إليّ من أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قضى بها أو أمر بالقضاء فيها ، إذ لا يحلّ لمن تقلّد الحكم بين الناس أن يحكم إلا بما أمر الله به عز وجل في كتابه، أو بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حكم بها، أو بما أجمع العلماء عليه أو بدليل من هذه الأوجه الثلاثة"[11].

  مميزات الكتاب:

    يعدّ الكتاب من أهمّ ما ألِّف في القضاء وفقهه، حيث جمع فيه ابن الطلاع المسائل التي قضى فيها النبي صلى الله عليه وسلم أو أمر بالقضاء فيها، ورتبه على الكتب الفقهية، وبدأه بكتاب الحدود، وختمه بنبذة من السيرة النبوية، واختلاف العلماء في أوامر النبي صلى الله عليه وسلم ونواهيه، فكان هذا ما ميّز هذا المؤلَّف عن غيره مما ألّف في فقه القضاء.

12.  المعلم بفوائد مسلم لأبي عبد الله محمد بن علي بن عمر المازري (ت:536ه):

  غرض التأليف:

    لم يقصد الإمام المازري إلى تأليف كتابه "المعلم"، وإنما جمعه من أقرأهم كتاب صحيح مسلم ثم عرضوه عليه فهذبه ووافق على جمعه وذلك في شهر رمضان، فقد جاء في مقدمة كتابه ما نصه: "هذا كتاب قصد فيه إلى تعليق ما جرى في مجالس الفقيه الإمام الجليل أبي عبد الله محمد بن علي المازري رضي الله عنه حين القراءة عليه لكتاب مسلم بن الحجاج رحمه الله في شهر رمضان المكرم من سنة تسع وتسعين وأربعمائة منقولا ذلك بعضه بحكاية لفظ الفقيه الإمام أيده الله وأكثره بمعناه"[12].

    وأورد محقق الكتاب نقلا من كتاب "التكملة" يصرّح فيه الإمام المازري بعدم قصده إلى تأليف "المعلم" نصّه: "وأفادنا ابن الأبّار أن المازري لم يقصد تأليفه، وشرح لنا ابن الأبّار كيفية تأليف "المعلم" ونصّه: ولقي أيضا أبا عبد الله المازري بالمهدية وحكى عنه أنه سمعه يقول وقد جرى ذكر كتابه "المعلم بفوائد صحيح مسلم" إني لم أقصد تأليفه وإنما كان السبب فيه أنه قرئ عليّ كتاب مسلم في شهر رمضان فتكلمت على نقط منه، فلما فرغنا من القراءة عرض علي الأصحاب ما أمليته عليهم فنظرت فيه وهذبته، فهذا كان سبب جمعه"[13].

  مميزات الكتاب:

·       جاء الكتاب بطريقة مبتكرة، حيث إن صاحبه ركز فيها بحوثه على الاستنتاج والاستنباط، فخدم بذلك كتاب مسلم خدمة جليلة لم يسبق إليها سابق.

·       النقل عن مصادر غير ميسور الرجوع إليها الآن.

·       كشف الكتاب عن الزيادات التي ثبتت في بعض النسخ لمسلم.

·       يتتبع ميلاد كثير من أقوال مالك في الحديث من قبل أن تكون مذهبا، ويشير إلى وقت ميلادها، مما يمثل ثروة في تقييم المذهب.

·       يقوم الكتاب على أصول ثلاثة وعليها تدور مباحثه وهي: خدمة سند أحاديث صحيح مسلم، بيان غريب الحديث، والاستنباطات منه، وقد اعتمد في كل ذلك على أمهات المصادر مما يتعلق بعلم الحديث النبوي.

13.  كتاب القبس في شرح موطأ مالك بن أنس لأبي بكر بن العربي المعافري (ت:543ه):

  غرض التأليف:

    يقول صاحب "القبس" رحمه الله: "قال الإمام أبو بكر محمد بن العربي رضي الله عنه: هذا أوّل كتاب ألّف في شرائع الإسلام وهو آخره لأنّه لم يؤلَّف مثله، إذ بناه مالك رضي الله عنه على تمهيد الأصول للفروع ونبّه فيه على معظم أصول الفقه التي ترجع إليها مسائله وفروعه، وسترى ذلك إن شاء الله تعالى عيانا وتحيط به يقينا عند التنبيه عليه في موضعه أثناء الإملاء بحول الله تعالى"[14].

    فالواضح من كلام ابن العربي أن غرضه كان هو شرح موطأ الإمام مالك لما له من أهمية في التشريع الإسلامي، والوقوف على ما جاء فيه من علوم الحديث وقواعد الأصول ومسائل الفقه، إلا أنه لم يتطرق إلى جميع أحاديث الموطأ بالشرح والبيان، بل جاء الكتاب عبارة عن لمحات دالة على المراد فقط، ولذلك وسمه صاحبه بـــــــ"القبس".

  مميزات الكتاب:

·      أبان ابن العربي في هذا المؤلَّف عن فقه مالك ومكانته وقيمة موطأه.

·      ناقش المسائل الفقهية والأصولية، وأظهر أن الإمام مالك وضع في كتابه الموطأ مصطلحات فقهية لم يسبق إليها.

·      الكتاب مع كونه مختصرا إلا أنه حاول الاستيعاب والشمول لموطأ مالك بالشرح والبيان.

14. المسالك في شرح موطأ مالك لأبي بكر بن العربي المعافري (ت:543ه):

  غرض التأليف:

    بيّن رحمه الله ما حمله على تأليف كتاب "المسالك" فقال: "اعلموا –أنار الله قلوبكم للمعارف، ونبّهنا وإيّاكم على الآثار والسنن السوالف- أنه إنما حملني على جمع هذا المجموع بما فيه –إن شاء الله- كفاية وقنوع أمور ثلاثة، وذلك أنه ناظرت يوما جماعة من أهل الظاهر الحزمية الجهلة بالعلم والعلماء وقلة الفهم، على موطأ مالك بن أنس، فكلّ عابه وهزأ به، فقلت: ما السبب الذي عبتموه من أجله؟ فقالوا أمور كثيرة:

أحدها: أنه خلط الحديث بالرأي.

والثاني: أنه أدخل أحاديث كثيرة صحاحا وقال ليس العمل على هذه الأحاديث.

والثالث: أنه لم يفرق فيه بين المرسل من الموقوف، والمقطوع من البلاغ، وهذا من إمام قد صحت عندكم إمامته في الفقه والحديث نقيصة، إذ قد أسند كل مصنف في كتابه أحاديثه.

فقلت لهم: اعلموا أن مالكا رحمه الله إمام من أئمة المسلمين، وأن كتابه أجلّ الدواوين، وهو أول كتاب ألّف في الإسلام، لم يؤلف مثله لا قبله ولا بعده، إذ قد بناه مالك رحمه الله على تمهيد الأصول للفروع، ونبّه فيه على علم عظيم من معظم أصول الفقه التي ترجع إليه مسائله وفروعه، وأنا إن شاء الله أنبهكم على ذلك عيانا، وتحيطون به يقينا، عند التنبيه عليه في موضعه إن شاء الله.

وإن من سلف من الأئمة المتقدمين من الفقهاء والمحدثين، قد وضع فيه كتبا كثيرة وإن كانت كافية شافية، وبالغرض الأقصى وافية، لكن لم يسلكوا فيها من الغرض من أصول الفقه وعلوم الحديث واستخراج النكت البديعة والعلوم الرفيعة"[15].

    من هذا يتضح أن الغرض من تأليفه هو الرّد على الظاهرية الذين عابوا الموطأ والمالكية، إضافة إلى ما رآه من قصور لدى العلماء في عصره خاصة في بيان ما في الموطأ من علوم الحديث وأصول الفقه وغيره.

  مميزات الكتاب:

·      ابتداء الكتاب بمقدمات كاشفة ترشد القارئ للولوج إلى الموطأ، وتمكّنه من فهم الحديث على الوجه الصحيح.

·      وصل ابن العربي في هذا الكتاب مسائل الفقه المالكي بالأصول، فيكون الحديث أصلا تستخرج منه المسائل.

15.  عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لأبي بكر بن العربي المعافري (ت:543ه):

  غرض التأليف:

    ألّف الإمام ابن العربي هذا الكتاب تلبية لرغبة الطلبة بعدما ألحوا عليه، وقد تكلّم في مقدمته عن عدم رغبته في الكتابة أوّل الأمر، إلا أنّه رأى أنّ الحاجة تستدعي ذلك لما في شرح السنة النبوية من المحافظة على الدين والشريعة الإسلامية من تحريف الغالين وانتحال المبطلين، ولكي لا يتخلل إلى هذا الدين شيء من التغيير والتبديل كما طرأ على كتب اليهود والنصارى.

    وهذا ما جاء في قوله رحمه الله في تقديمه للكتاب: "...وبعد: فإن طائفة من الطلبة عرضوا عليّ رغبة صادقة في صرف الهمة إلى شرح كتاب أبي عيسى الترمذي فصادفوا مني تباعدا عن أمثال ذي...فخذوها عارضة من أحوذي علم كتاب الترمذي، وقد كانت همتي طمحت إلى استيفاء كلامه بالبيان والإحصاء لجميع علومه بالشرح والبرهان، إلا أنني رأيت القواطع أعظم منها والهمم أقصر عنها والخطوب أقرب منها، فتوقفت مدة إلى أن تيسرت مندة فاغتنمتها واتبعت عزمي وانعقر على شطني ما اشتملت عليه معلقاتي في تغيير المياومة من المشايخ في المجالس وعوارض المذاكرة في أندية المناظرة على الاختصار، وربما اتفق تطويل فذلك بحسب ما عرض على شرط ما تقدم من العرض"[16].

  مميزات الكتاب:

    الكتاب جاء مختصرا، وهو شرح فقهي بالدرجة الأولى إذ الصنعة الحديثية فيه قليلة، وقد حفل بالفوائد الفقهية والدرر العلمية والنكات واللطائف.

16.  إكمال المعلم بفوائد مسلم لأبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي (ت:544ه):

  غرض التأليف:

    كانت حاجة طلبة الإمام إلى كتاب يشرح صحيح الإمام مسلم، ويقف على معانيه ويكشف أسراره، ويتقصى ألفاظه ويبيّن غامضه ومشكله، وينبّه على ما وقع من اختلال لبعض رواته في أسانيده ومتونه، إذ لم يكن كتاب يجمع كل ما ذُكر، إلا كتاب الحافظ أبي علي الحسين الجيّني، وهو في الكلام على مشكل الأسانيد، وكتاب الإمام البخاري المسمى بـــــــ "تقييد المهمل"، وكتاب الإمام المازري "المعلم" وهو في شرح معاني صحيح الإمام مسلم[17].

    يقول القاضي عياض في مقدمة الكتاب: "وإن كان قد أودعه جملة صالحة مما في كتاب الحافظ أبي علي من الكلام على إسناده، وكلا الكتابين نهاية في فنّه، بالغ في بابه، مودع من فنون المعارف وفوائدها وغرائب علوم الأثر وشواردها، ما تلقى كل واحد منها بالقبول، وبلغ الطالب بها من رغبته المأمول...لكن الإحاطة على البشر ممتنعة، ومطارح الألباب والأذهان للبحث متسعة، وكثيرا ما وقفنا في الكتاب المذكور على أحاديث مشكلة لم يقع لها هناك تفسير، وفصول محتملة تحتاج معانيها إلى تحقيق وتقرير، ونكت مجملة لابدّ لها من تفصيل وتحرير، وألفاظ مهملة تضطر إلى الإتقان والتقييد، وكلمات غيّرها النقلة من حقّها أن نخرج صوابها إلى الوجود"[18].

    فالكتاب جاء استكمالا لكتاب "المعلم" للإمام المازري واستدراكا عليه ، يقول عياض: "فاستتب الرأي بعد استخارة الله تعالى وسلوك سبيل العدل والإنصاف، أن يكون ما يذكر من ذلك كالتذييل لتمامه والصلة لإكمال كلامه، فنبدأ لما قاله رضي الله عنه، ونضيف إليه ما استتب وتوالى..."[19].

  مميزات الكتاب:

·       تصحيح ما وقع في بعض النسخ وروايات مسلم في الصحيح، وكذا الكشف عن الزيادات التي ثبتت في بعض نسخه.

·       يعدّ الكتاب أول شرح تناول صحيح مسلم بالتحرير والتقييم، والشرح والتهذيب.

·       اشتمال الكتاب على فوائد بالغة يندر وجودها في مؤلَّف غيره.

17. الأحكام الشرعية الكبرى لأبي محمد عبد الحق الإشبيلي (ت:581ه):

  غرض التأليف:

    بدأ الحافظ عبد الحق الإشبيلي كتابه هذا بدون مقدمة، فقد شرع مباشرة في الكلام عن كتاب الإيمان، وبه فلا يمكن الإحاطة بغرض تأليفه، لكن مما يبدو من عنوان الكتاب، أن الغرض كان هو جمع أحاديث الأحكام، إلا أن الكتاب لم يقتصر على ذلك فقط، بل أُضيف إليها أحاديث الإيمان والعلم والطب والآداب والزهد والرقائق والأذكار والفتن وأشراط الساعة وغيرها، وهذا ما صرّح به في مقدمة كتابه "الأحكام الوسطى"، والتي جاء اختصارا لكتابه هذا "الأحكام الكبرى.

    يقول رحمه الله في "الأحكام الوسطى": "أما بعد فإني جمعت في هذا الكتاب متفرقا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في لوازم الشرع وأحكامه، وحلاله وحرامه، وفي ضروب من الترغيب والترهيب وذكر الثواب والعقاب، إلى غير ذلك من الآداب والرقائق والحكم والمواعظ وفنونا من الأدعية والأذكار، وجملا في الفتن والأشراط، وأحاديث في معاني أخر، مع نبذ من التفسير، مما يكسب حافظه العلم الكثير، والعامل به الحظ الخطير والملك الكبير"[20].

مميزات الكتاب:

·       كتاب جامع في الحديث لم يقتصر على أحاديث الأحكام الفقهية فقط، بل تعدّاها إلى فنون أخرى.

·       سياقه الأحاديث بإسنادها من الكتب المخرج منها.

·       يحافظ على لفظ الكتاب الذي ينقل منه محافظة دقيقة.[21]

18.  الأحكام الوسطى من حديث النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الحق الإشبيلي (ت:581ه):

غرض التأليف:

    هذا الكتاب مختصر من كتابه "الأحكام الشرعية الكبرى" وهو محذوف الأسانيد، يقول رحمه الله: "أما بعد فإني جمعت في هذا الكتاب متفرقا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في لوازم الشرع وأحكامه، وحلاله وحرامه، وفي ضروب من الترغيب والترهيب وذكر الثواب والعقاب، إلى غير ذلك من الآداب والرقائق والحكم والمواعظ وفنونا من الأدعية والأذكار، وجملا في الفتن والأشراط، وأحاديث في معاني أخر، مع نبذ من التفسير، مما يكسب حافظه العلم الكثير، والعامل به الحظ الخطير والملك الكبير"[22]، فالغرض هو جمع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم من الكتب الستة والموطأ وكتب أخرى صحيحة في الفنون التي ذكرها.

 مميزات الكتاب:

    كتاب جامع في الحديث لم يقتصر على أحاديث الأحكام الفقهية فقط، بل تعدّاها إلى فنون أخرى.

19.  الأحكام الشرعية الصغرى الصحيحة لعبد الحق الإشبيلي (ت:581ه):

  غرض التأليف:

    اقتصر المؤلِّف في هذا الكتاب على الأحاديث الصحيحة، يقول رحمه الله: "وتخيرتها صحيحة الإسناد، معروفة عند النقاد، قد نقلها الأثبات، وتداولها الثقات"[23].

    فكان الغرض من تأليفه جمع ما تفرق من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتب السنة الصحيحة المشهورة، فجاء الكتاب جامع لأحاديث الموطأ وصحيح البخاري ومسلم وأحاديث أبي داوود والترمذي وغيرهم كما صرّح في مقدمة الكتاب، وذلك بطريقة مختصرة تسهل حفظه، وتيسّر التفقه منه، يقول رحمه الله: "فإني جمعت في هذا الكتاب متفرقا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في لوازم الشرع وأحكامه، وحلاله وحرامه، وفي ضروب من الترغيب والترهيب، وذكر الثواب والعقاب، إلى غير ذلك مما تميز حافظها، وتسعد العامل بها"[24].

  مميزات الكتاب:

·       تميّز الكتاب بسهولته واختصاره، إذ جعله صاحبه مختصر الإسناد، مقتصرا في تخريج الحديث على مصدر واحد.

·       الحكم على الأحاديث، والكلام على الرواة جرحا وتعديلا.

·       عدم اقتصاره على أحاديث الأحكام.

20. الجمع بين الصحيحين لعبد الحق الإشبيلي (ت:581ه):

غرض التأليف:

    الغرض من تأليف هذا السِّفر العظيم كما هو مصرّح به في مقدمته؛ اختصار صحيح مسلم وصحيح البخاري، بحذف الإسناد والمكرّر، تيسيرا للحفظ وتقريبا للفهم والفقه.

    يقول رحمه الله مبيّنا غرض تأليفه: "...فإني كنت ذهبت في هذا الكتاب إلى اختصار كتاب الإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري رحمه الله، فحذفت إسناده، وأسقطت تكراره، واقتصرت من السند على اسم الصاحب خاصة إلا أن تضم ضرورة إلى ذكر غيره فأذكره، ثم رأيت بعد ذلك بتوفيق الله تعالى وحسن معونته أن أجمع بينه وبين كتاب الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي رضي الله عنه..."[25].

    ويقول: "والغرض من هذا المختصر أن يخف به الكتابان على من أعياه حفظ الأسانيد، واعتمد في العلم بها على التقليد، لاسيما وقد اشتهر في الصحة شهرة لا مطعن عليها، وتضمن من الأخبار ملجأ الناس في الأكثر إليها، وحسبك من هذين الكتابين أنهما إنما يعرفان بالصحيحين، وليكون أيضا قريب المأخذ سهل المتناول لمن أراد النظر فيه، والتفقه في معانيه"[26].

  مميزات التأليف:

·       تميّز الكتاب بالجمع بين الصحيحين بطريقة مختصرة دون إسناد ولا مكرر من الأحاديث.

·       سيره على ترتيب الإمام مسلم في مؤلَّفه.

·       إلحاق روايات البخاري بمواضعها المناسبة لها من أبواب مسلم.

21.  إحكام النظر في أحكام النظر بحاسة البصر لابن القطان الفاسي (ت:628ه):

  غرض التأليف:

    تنحصر مباحث هذا الكتاب في الأحكام والمسائل المتعلقة بالنظر بحاسة البصر، وقد فصّل ابن القطان في ذلك تفصيلا دقيقا، وبنى على ذلك تفريعات مهمة ومفيدة، قصد من ورائها الإحاطة بما سئل عنه من أحكام النظر، وقد كان ذلك هو الباعث على التأليف، وقد أعرب عن ذلك في مقدمة كتابه فقال: "ونبيّن إن شاء الله بهذا القول جواب ما سئلت عنه من أحكام النظر بحاسة البصر، مخلصا في ثمانية أبواب"[27].

   مميزات الكتاب:

·       يمتاز بحسن التبويب وجودة العرض والتفريع.

·       إحاطته بجزئيات الموضوع.

·       يعتبر هذا الكتاب أوّل ما صنّف في باب النظر.

22.   المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم لأبي العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي (ت:656ه):

غرض التأليف:

    كتاب "المفهم" كتاب يجمع بين تلخيص كتاب مسلم وبين شرح ما أشكل منه، رغبة من المؤلِّف في تقريب الزاد العلمي لطلاب العلم والمتخصصين والمثقفين على تنوع مشاربهم، وتعددت ألوان معارفهم.

    فلما ألّف الإمام القرطبي رحمه الله كتاب "التلخيص" قاصدا بذلك تقريب صحيح مسلم لمن أراد حفظه والتفقه فيه، عزم بعده على تأليف "المفهم" كي يكمل إفادة الطالبين "للتلخيص"، بشرح غريبه، والتنبيه على وجوه الاستدلال بأحاديثه، وإيضاح مشكلاته ومعانيه، فكان هذا هو غرضه من تأليفه.

    يقول رحمه الله في مقدمة الكتاب: "فلما حصل من تلخيص كتاب مسلم وترتيبه وتبويبه المأمول، وسهل إلى حفظه وتحصيله الوصول، رأينا أن نكمل فائدته للطالبين، ونسهّل السبيل إليه على الباحثين، بشرح غريبه والتنبيه على نكت من إعرابه، وعلى وجوه الاستدلال بأحاديثه، وإيضاح مشكلاته حسب تبويبه وعلى مساق ترتيبه"[28].

  مميزات الكتاب:

·       يعدّ الكتاب شرحا ذو أهمية بالغة، وحلقة وصل بين المازري والقاضي عياض من جهة، وبين من جاء بعد أبي العباس القرطبي كالأبّي والسنوسي، فهو حلقة متألقة في رحاب شروح صحيح مسلم.

·       اعتنى الكتاب عناية فائقة بشرح غريب الحديث.

والحمد لله رب العالمين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] ينظر مقدمة التحقيق، كتاب تفسير غريب الموطأ، عبد الملك بن حبيب السلمي الأندلسي، تحقيق عبد الرحمن بن سليمان العثيمن، مكتبة العبيكان، الطبعة الأولى 1421ه/2001م، 1/158-159-160.

[2] رياض الجنة بتخريج أصول السنة، ابن أبي زمنين، تحقيق عبد الله بن محمد بن حسين البخاري، مكتبة الغرباء الأثرية، الطبعة الأولى 1415ه، ص: 34.

[3] المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح، المهلّب ابن أبي صفرة التميمي الأندلسي، تحقيق أحمد بن فارس السلوم، دار التوحيد ودار أهل السنة، الطبعة الأولى 1430ه/2009م، 1/147-148.

[4] ينظر مقدمة التحقيق، شرح صحيح البخاري، ابن بطال القرطبي، تحقيق أبو تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد –الرياض-، 1/17.

[5] المحلّى بالآثار، أبو محمد علي بن حزم الأندلسي، تحقيق عبد الغفار سليمان البنداري، دار الكتب العلمية –بيروت لبنان-، الطبعة الثانية 1424ه/2003م، 1/21.

[6] ينظر مقدمة التحقيق، المحلى بالآثار، أبو محمد علي بن حزم الأندلسي، 1/3-4.

[7] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، ابن عبد البر النمري، تحقيق أسامة بن إبراهيم، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، 1/5-6.

[8] المصدر نفسه، 1/11.

[9] الاستذكار، أبو عمر بن عبد البر، تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي، دار قتيبة ودار الوعي للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1414ه/1993م، 1/164-165.

[10] المنتقى شرح موطأ مالك، أبو الوليد الباجي، تحقيق محمد عبد القادر أحمد عطا، دار الكتب العلمية بيروت-لبنان-، الطبعة الأولى 1420ه/1999م، 1/201.

[11] أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابن فرج القرطبي، تحقيق أبو عبد الله فارس بن إبراهيم، دار ابن الهيثم، الطبعة الأولى 1427ه/2006م، ص7.

[12] المعلم بفوائد مسلم، أبو عبد الله المازري، تحقيق محمد الشاذلي النيفر، الدار التونسية للنشر، الطبعة الثانية 1987م، 1/270.

[13] المصدر نفسه، 1/193.

[14] كتاب القبس في شرح موطأ مالك بن أنس، أبو بكر بن العربي، تحقيق محمد عبد الله ولد كريم، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1992م، 1/75.

[15] المسالك في شرح موطأ مالك، أبو بكر بن العربي، قرأه وعلّق عليه محمد بن الحسين السليماني وعائشة بنت الحسين السليماني، قدّم له يوسف القرضاوي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1428ه/2007م، 1/330.

[16] عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي، أبو بكر بن العربي، دار الكتب العلمية بيروت-لبنان، 1/3-5.

[17] ينظر إكمال المعلم بفوائد مسلم، أبو الفضل عياض السبتي، تحقيق يحيى إسماعيل، دار الوفاء، الطبعة الأولى 1419ه/1998م، 1/71.

[18] االمصدر نفسه، 1/72.

[19] المصدر نفسه، 1/73.

[20] الأحكام الوسطى من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، عبد الحق الإشبيلي، تحقيق حمدي السلفي وصبحي السامرائي، مكتبة الرشد، طبعة 1416ه/1995م،1/65.

[21] ينظر مقدمة التحقيق، كتاب الأحكام الشرعية الكبرى، عبد الحق الإشبيلي، تحقيق أبو عبد الله حسين بن عكاشة، مكتبة الرشد، الطبعة الأولى 1422ه/2001م، 1/26.

[22] الأحكام الوسطى من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، عبد الحق الإشبيلي،1/65.

[23] الأحكام الشرعية الصغرى الصحيحة، عبد الحق الإشبيلي، تحقيق أم أحمد بنت أحمد الهليس، مكتبة ابن تيمية ومكتبة العلم بجدة، الطبعة الأولى 1413ه/1993م، 1/71.

[24] المصدر نفسه، 1/71.

[25] الجمع بين الصحيحين، عبد الحق الإشبيلي، اعتنى به محمد بن محمد الغماس، تقديم بكر بن عبد الله أبو زيد، دار المحقق، الطبعة الأولى 1419ه/1999م، 1/1.

[26] المصدر نفسه، 1/6.

[27] إحكام النظر في أحكام النظر بحاسة البصر، ابن القطان الفاسي، تحقيق إدريس الصمدي، دار القلم –دمشق-، الطبعة الأولى 1433ه/2012م، ص: 79.

[28] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، أبو العباس القرطبي، تحقيق محيي الدين ديبمتو، وأحمد محمد السيد، ويوسف علي بديوي، ومحمود إبراهيم بزال، دار ابن كثير ودار الكلم الطيب، الطبعة الأولى 1417ه/1996م، 1/84.

 

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -